القائمة الرئيسية

الصفحات

الثقافة الشعبية ظاهرة اجتماعية وثقافية

 



تعد الثقافة الشعبية ظاهرة اجتماعية وثقافية من الطراز المتواتر، حيث تمثل العامل المشترك لثقافة كل المجتمعات بلا استثناء، مع اختلاف قيمتها العلمية والمعرفية، ومكانتها في حقل الإنتاج المعرفي، فالثقافة الشعبية تعبير أساسي ومعقد للمجتمع في وجوده الماضي والآني وحتى الآتي، فهي تمثل الممارسة الحاملة لمعنى كما أنها القاعدة المعقدة للمعايير الاجتماعية والميولات الثقافية والمتواترات التعبيرية التي تظهر في الانتاجات التي يعرف أفراد المجتمع فيها ثقافتهم ويجدون مباشرة علامات هويتهم. فالثقافة الشعبية تمثل كل التماثلات الجماعية للحياة المعيشية الفعلية منها والموجودة، المتمثلة في تطلعات الجماعة ورغباتها ومعتقداتها، وفي نظرتها للحياة، والتي يعبر عنها بطريقة شفوية، وهذا التعبير محدد في أشكال تعبيرية متعددة ( القصة – الأسطورة – النكتة – الشعر – الأمثال والحكم …)، وكذا في بيانات وتظاهرات سلوكية ( حفلات شعبية – رقص – طقوس – ممارسات – ولائم واجتماعات … ) وهذا ما يسميه البعض بالفلكلور مع اختلاف في حدة هذه التظاهرات ووظائفها داخل المجتمع وعلاقاتها مع البنية الاجتماعية العامة.

ووفقا لما سبق، نقف أمام إشكالية يطرحها واقع وآفاق الثقافة الشعبية في الجزائر، ذلك أننا نصطدم بسؤال معرفي هام مفاده كيفية وضع الثقافة الشعبية في الاطار العلمي والأكاديمي الذي يسمح بتحديد المعايير الاجتماعية والميولات الثقافية التي تحملها التعبيرات المختلفة لهذه الثقافة.

مفهوم الثقافة الشعبية:

لقد شكلت الثقافة الشعبية موضوعا خصبا لمسجلات معرفية حاولت تحديد تعريف علمي صارم لها، فذهب البعض إلى اعتبارها تمثل إنتاجات الطبقات الشعبية من فنون قولية تعبيرية وسلوكيات اجتماعية وطقوسية وكذا عقائدية وأساطير… الخ، وبذلك امتزج مفهوم الثقافة الشعبية بمفهوم الفلكلور، فقد “فضل بعض الدارسين المهتمين بموضوع الثقافة الشعبية مصطلح الفلكلور لشساعة فضاءاته الموضوع عاتية من جهة ومن جهة أخرى لماهيته العلمية، حيث اقترن اسمه بعلم جديد استطاع أن يضع لنفسه مكانة معرفية خاصة ومميزة بجانب العلوم الاجتماعية والإنسانية وهو علم الفلكلور، والذي يتناول دراسة ثقافة المجتمعات وآثارها المادية في مرحلة الحضارة التي سبقت مرحلة التحديث المعاصرة، حيث وجد العطاء الحضاري للإنسان من خلال ذاته المرتبطة بالجماعات الفطرية كالأسرة والمجتمع المحلي اللذين يضمنان رعاية فردية للإنسان وإطاره الذاتي، كما تشمل الدراسة الفلكلورية خبرة الإنسان الفكرية والمادية والآثار التي تركها في هذا المجال”(1). في حين أن البعض نادى بمصطلح “الثقافة الشعبية”، غير أن الساحة العربية، عموما، لم تخل من مساجلات حول مفهوم مصطلح “الشعبية”، والمشتق دلاليا من كلمة “شعب”، فقد عنى به البعض ” مجموع أفراد الأمة بمختلف طوائفه وطبقاته، وهو بذلك صفة تجمع الجماعة وليس صفة فصل طائفة أو طبقة عن الأخرى، كما هو مقصود بالمفهومين السياسي والاجتماعي، فالمفهوم السياسي للكلمة يعني الطبقة الفقيرة من المجتمع”(2).

وهكذا نادى البعض بضرورة توسيع مفهوم “الشعب” ليشمل مختلف الطوائف المشكِّلة للجماعة والتي ترتبط عضويا بمفهوم “الأمة”، محاولا بذلك تخليص المصطلح ريقة التموضع في خانة مفهوماتي خاصة.

وبما أن الشعب ضارب في انتمائه وهويته في جذور الحضارة الإنسانية، وميزته الخلود والبقاء، فإن كلمة الشعبية عندما نطلقها على أي شيء لا بد وأن يتسم هذا الشيء بالانتشار أولا ثم الخلود ثانيا… أي الانتشار والتوزع والتباعد المكاني والزماني، أو بمصطلح آخر “التداول والتراثية “(3). فالشعبية، ومن هذا المنطلق “صفة لكل ما يصدر عن الشعب قولا، ممارسة، سلوكا وتصورا للحياة وللأشياء ويندرج ضمن هذه الدائرة المفهوماتية لمفهوم الشعبية أيضا كل ما هو موجه للاستهلاك الشعبي، سواء أكان ماديا أو معنويا”(4).

بيد أن هذا المصطلح لم يكن محل إجماع من لدن الدارسين والمثقفين العرب، حيث رفض الكثير استعماله، وحاولوا جاهدين البحث عن مصطلح بديل أكثر شمولية واتساعا وأقدر على تمثيل القضايا والظواهر التي تدرسها الثقافة الشعبية. ويبدو أن الإيديولوجية كان لها حضورها في أبجديات الرفض المعرفي والاصطلاحي لـكلمة “الشعبية”، إذ “تعود أسباب وتعليلات هذا الرفض إلى الرأي القائل أن مصطلح الشعبية أيديولوجي لا يجد مبررا، للاستعمال والتداول إلا في المجتمعات الطبقية التي تقسم مسألة السلطة والهيمنة ومواطنيها إلى طبقة مسيطرة مهيمنة وطبقة خاضعة محكومة …ولكل من الطبقتين رؤياها وتصورها عن الواقع، تصوغ بها أيديولوجيتها المعروضة على واجهة ثقافية، وفي هذه المجتمعات يصطلح على ثقافة الطبقة المسيطرة بالثقافة الرسمية مقابل الطبقة المحكومة المهيمن عليها”(5). ومن ثم تكون الثقافة الشعبية بمثابة محصلة معرفية لإبداعات الجماعة واهتماماتها وكذا دراسة أنماطها التعبيرية القولية منها والسلوكية.

ويبدو أن دخول هذا الضرب من الدراسات إلى الثقافة العربية إنما كان وليد الشرق بالحضارة الغربية، إذ يرجح عدد من الدارسين ظهور الدراسات الشعبية في الوطن العربي إلى “عدد من الدارسين العرب الذين درسوا في جامعات الغرب وتأثروا بما كان يجري هناك من تحولات ثقافية وحضارية واجتماعية كان من أهمها تغيير نظرة الباحثين والدارسين إلى الثقافة الشعبية باعتبارها جزءا من الثقافة الإنسانية”(6). في حين يذهب البعض إلى أن الدراسات الفلكلورية /الشعبية في المجتمعات العربية ليست وليدة العصر الحديث، بل أن “الاهتمام بهذا النوع من الدراسات له جذور أعمق في التاريخ، ولكي نعرف ذلك يمكننا الرجوع إلى أواخر القرن السابع الميلادي لنرى وهب بن منية وعبيد بن شرية الجرهمي وكعب الأحبار، وما قاموا به من رصد ما عرفه العرب من أساطير حول نشأة الكون وقصص بدء العالم وظهور اللغات ونشأة اللغة العربية وكثير من الإسلاميات”(7).

وكذلك كان ابن خلدون فلكلوريا، قدّم أسس علم الفلكلور وفكرته في الجزء الأول من كتابه العبر في ديوان المبتدأ والخبر، فعقد فصلاً ممتازا عن اللهجات العربية وظروف نشأتها وطبيعة علاقتها بالفصحى ثم يبين أثرها في المجتمع وأشار إلى ضرورة دراستها والاهتمام بها. ومن ناحية أخرى تعرض، ابن خلدون، لِسِيَرنا الشعبية منوها بأهميتها الأدبية، فسجل بعض نصوصها وحلل طرائقها وخصائصها ووضّح طرق تداولها وإنشائها”(8).

والتاريخ الفكري للعرب مليء بمثل هذه المبادرات المعرفية التي سجلت بصدق فلكلور الأمة العربية وتراثها الشعبي، ومن ذلك كتب ابن المقفع والجاحظ والأبشيهي وغيرهم. ومنه يمكننا القول أن الريادة في مجال الدراسات الشعبية “إنما كانت عربية إسلامية محضة، عكس ما يحاول البعض الترويج له من خلال رد هذه الدراسات إلى اطلاع العرب على أعمال الغرب وتأثرهم بها. غير أن المُلاحظ للساحة المعرفية الجزائرية يقف – ويتأسف – على خلو هذه الساحة من التأسيس المعرفي لاصطلاح الثقافة الشعبية، بل وعدم الاهتمام بها كحقل دراسي له من القيمة المعرفية ما يؤهله لأن يضطلع بمهام بحثية هامة، وكل ما نراه على هذه الساحة لا يسد الفضول المعرفي للباحث عن استجلاء القيم المفهوماتية النظرية، خصوصا للحقول الدراسية للثقافة الشعبية.

الموقع ارنتروبوس

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات