القائمة الرئيسية

الصفحات



 منذ عدة أيام شرفت بأن أحضر ندوة في مركز الإبداع بساحة دار الأوبرا يقيمها صندوق التنمية الثقافية بعنوان "المجلات الثقافية ودورها العربي". في هذه الندوة كنت مستمعاً أكثر مني متكلماً لأستفيد من المعلومات القيمة التي ذُكرت. من المعلومات المثيرة التي قيلت إن عدد المجلات التي صدرت في مصر منذ عام 1876 وحتى الآن لا تقل عن 750 مجلة، وقد ناقشت الندوة أزمة المجلات الثقافية مثل مشاكل التوزيع والتسويق ومستوى المقالات وهل نستمر في الورقي أم نتجه إلى الرقمي.

هذه الندوة قد أثارت في عقلي بعض النقاط التي سأناقشها في هذا المقال.

رأيي أن المجلات الثقافية هي مجلات وظيفتها أن ترتقي بحس ومعلومات رجل الشارع حتى يرتقي في تفكيره ويُكون رأي عن علم وتفكير منطقي في الأمور التي تدور حوله. حتى وإن كانت هناك مجلات متخصصة في موضوعات معينة مثل "عالم الكتاب" التي تتحدث عن دنيا الكتب وموضوعاتها ومؤلفيها ومجلة "الفنون" التي تتحدث عن الفنون السبعة من سينما ومسرح وموسيقى إلخ، هذه المجلات حتى وإن كانت تتكلم في أمور متخصصة مازالت موجهة إلى رجل الشارع وليس المتخصص لتأخذه من يده نحو تلك المجالات بطريقة سهلة وشيقة وممتعة في آن واحد، فقط إذا وصلت ليد العامة عن طريق توزيع أكثر فعالية وتسويق مبتكر.

نضم إلى هذه المجلات الثقافية كل المجلات العلمية الموجهة للعامة. هذه نقطة غاية في الأهمية لذلك وضعتها كعنوان لهذا المقال وهي العلاقة بين المجلات الثقافية والمجلات العلمية. أعتقد أنهما وجهان لعملة واحدة، فلا يوجد مثقف لا يدري شيئاً عن الأمور العلمية ولا يوجد عالم أو شخص مهتم بالعلوم ولا يعلم شيئاً عن الأدب والفن. فالأدب مهم للعلم والعلم مهم للأدب كما كتب عميد الأدب العربي طه حسين والعالم الكبير علي مصطفى مشرفة في سلسلة مقالات تبادلاها تتحدث عن تلك النقطة.

من يهتم بالأدب سيفيد قراءة مقال عن العلوم ومن يهتم بالعلم سيستفيد من قراءة مقال عن العلوم الإنسانية فالعلم رسالته الإنسان في النهاية.

وقد حكى الأديب الكبير عباس العقاد أنه يقرأ كتباً عن الحشرات وهي كتب علمية وهو أديب لكنه يرى أن الحشرات هي النسخة البداية للكائنات الحية وبإمكانه الاستفادة من ذلك في مقالاته وكتبه.

ولنا أن نتذكر المحاضرة الهامة التي ألقاها البارون الإنجليزي تشارلز سنو وهو أديب وعالم في الفيزياء الكيميائية في نفس الوقت. هذه المحاضرة تحدث فيها عن الفارق بين شخصية العالم والأديب وسمى تلك المحاضرة والتي نُشرت بعد ذلك في كتاب "الثقافتان".

كل هذا يؤدي إلى نتيجة مهمة: العلم والإنسانيات هما جناحا الثقافة فيجب أن نهتم بهما معاً في مجلاتنا الثقافية وألا نغفل أن كل ذلك موجه للعامة.

النقطة الأخرى تتكامل مع النقطة السابقة وهي نوعية قارئ تلك المجلات. قلنا إن النوع الأول هو رجل الشارع لكن هناك أيضاً القارئ المثقف المخضرم. هذا القارئ يجب أن يجد في تلك المجلات ما يشبع نهمه للثقافة أيضاً. هذا معناه أن المجلات يجب أن تحتوي على مقالات متعمقة ومتخصصة وأخرى أقل تخصصاً تأخذ بيد العامة خطوة خطوة نحو مقالات أعمق.

النقطة السابقة أوضحت أن هناك نوعان من قراء المجلات الثقافية العامة والمتخصصين. حتى تحدث تلك المجلات تأثيراً واسعاً يجب أن يكون السواد الأعظم من قرائها من العوام وليس المتخصصين الذين سيمثلون نسبة أصغر لأن العوام هم ذخيرة الأمة كما قال الدكاترة زكي مبارك في كتابه "اللغة والدين والتقاليد".

نقطة مهمة متعلقة بفخ أرجو ألا تقع المجلات الثقافية فيه وهو احتوائها على بعض المقالات السطحية أو المكتوبة بلغة مبتذلة حتى تجتذب من لا يقرأ بحجة أنه بعد أن نجذبه للقراءة فسيرتقي وحده في المستوى الثقافي. الفخ أن الارتقاء لا يحدث فأنت تجد قراءً مازالوا بعد عدة سنوات يقرأون الروايات السطحية المكتوبة بلغة مبتذلة. من المهم جداً اجتذاب من لا يقرأ لكن لنجتذبه بمقالات مشوقة مكتوبة بلغة راقية فنحن نريد أن نرتقي بالقارئ.

المجلات الثقافية ليست فقط سلاحاً كبيراً من قوة مصر الناعمة ولكنها أداة لتسليح الناس بالمعلومات والثقافة وطرق التفكير المنطقية وهذا سينعكس على إتقانهم لعملهم وعلى تعاملاتهم اليومية مع بعضهم البعض.

كتابة محمد زهران

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات