٢- باكتروفوبيا: الخوف من الجراثيم (وسواس النظافة)
تعتبر النظافة نصف الصحة، وإن كان هناك اختلاف في مفهوم أو تعريف النظافة من شخص لآخر أو من بيئة لأخرى، إلا أن المتفق عليه بين الجميع أن النظافة المبالغ فيها هي حالة مرضية تستدعي البحث عن علاج لها.
ويطلق على هذه الحالة هوس النظافة، أو وسواس النظافة، أو رهاب القذارة، أو الخوف من الجراثيم، وهي حالة مرضية تؤرق كثيرين ممن يصابون بها، وربما اعتبروها حالة عادية لا تستدعي البحث عن علاج لها.
يطلق على المصاب بها المهووس بالنظافة، حيث يغسل يديه كل 5 دقائق، ويقوم بالاغتسال بشكل مستمر، وسجلت دراسة أن إحدى الحالات كانت تغتسل في اليوم 4 مرات، ويمضي معظم وقت العمل في تنظيف الغبار بالمناديل المبللة.
ويعزو المصاب بهذا الاضطراب ما يقوم به من أنه يتفادى الإصابة بالعدوى، أو أنه لا يحس بالراحة تجاه الملوثات المنتشرة بصورة مستمرة.
ونتناول في هذا الموضوع مشكلة هوس النظافة، والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذه الحالة، ونكشف الأعراض التي تظهر مع تقديم سبل وطرق الوقاية والعلاج الممكنة والحديثة.
العالم مكان قذر
يعرف الباحثون هوس النظافة بأنه خوف شديد من الإصابة بالميكروبات، أو التلوث الناجم عن الجراثيم، ويعتقد المصاب بهذه الحالة أن العالم هو مكان قذر، ولذلك هو دائم التنظيف حتى يحمي نفسه من الجراثيم المنتشرة.
ويعد هذا الاضطراب فكرة تسيطر على عقل المصاب بوسواس النظافة، وعندما يحاول أن يتجاهلها أو يتخلص منها فهو يعرض نفسه للضغط العصبي، وذلك على الرغم من إدراكه أن هذه الفكرة غير صحيحة، وأنه هو من خلقها، وبالتالي فإن الرغبة في تنفيذ هذه الأفكار أقوى من الرغبة في إيقافها.
ويمكن أن يكون وراء الإصابة بهذه الحالة أسباب تتضمن عوامل بيولوجية، أو عوامل جينية، أو وجود خلل في وظيفة الدماغ.
وتلعب العادات المرتبطة بالسلوك دوراً في الإصابة، حيث يطورها المصاب وتصبح متمكنة منه، وربما كان السبب انخفاض السيروتونين في الجسم.
تهديد للمناعة
يؤثر الإفراط في النظافة كذلك على الشخص من حيث قضاء وقت كبير في الاغتسال والتنظيف والبحث عن الملوثات، وربما يكلفه الأمر مبالغ مالية لشراء المنتجات التي تساعد في النظافة، وبالتالي يتعرض كذلك للمواد الكيميائية التي يتضرر منها الجسم.
ويجمع علماء النفس على أن هوس النظافة مرض نفسي، وهو من أشهر أنواع الوساوس، وتستوجب الحالة المصابة به البحث عن علاج، حيث إن الآثار الجانبية له لا تقتصر على المصاب به، سواء أكان رجلاً أم امرأة.
هناك فرق
يجب التفريق بين الشخص الذي يرتاب في النظافة، وبين من يعاني هوس النظافة، حيث تجد الأول لا يهتم إلا بتنظيف الأسطح حتى يضمن عدم وجود الغبار على سبيل المثال.
وتجد الثاني يقوم بالتعقيم نتيجة الخوف من إصابته بالتلوث، ويقوم بتكرار الأمر أكثر من مرة، حتى يتأكد أنه أصبح نظيفاً، وتجد المصاب بهذا الاضطراب يخاف كذلك من أن يصاب بالتلوث من الغبار والأوساخ.
ويمكن أن يعتقد عند إصابته بالمرض أنه في حاجة للمزيد من النظافة، وهو ما يلقي بظلاله على مختلف أنشطته اليومية.
وسواس الترتيب
تلعب عدة عوامل دوراً في الإصابة بوسواس النظافة، ومن هذه العوامل القلق الصحي، حيث يصاب المريض بالقلق من البكتيريا التي تتواجد في كل مكان، وبالتالي يجب تنظيفها، وهذا الأمر يجعله يستمر في التنظيف من أجل التخلص من البكتيريا.
ويعد وسواس الترتيب أحد الأسباب وراء الإصابة بهذا الاضطراب، وذلك تحت دعوى أن بقعة تلوث تشوه المكان، وهو الأمر الذي لا يتحمله المصاب بهوس النظافة، ونتيجة لذلك يكثر من التنظيف رغبة في تحقيق الكمال، ويقوم المصاب كذلك بترتيب أغراضه بصورة مثالية في العمل أو المنزل.
نقص السيروتونين
تشير دراسات عدة إلى أن من الأسباب وراء الإصابة بهوس النظافة نقصاً ملحوظاً في هرمون السيروتونين في خلايا المخ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بأعراض الوسواس القهري بشكل عام، ووسواس النظافة بشكل خاص، وغالباً فإن وراء هذا الانخفاض عوامل وراثية.
ويلعب عدد من العوامل البيئية والضغوط النفسية دوراً في الإصابة بالوسواس القهري أو وسواس النظافة، ومن ذلك التعرض للعنف والإيذاء النفسي أو الجسدي، ويفقد الشخص الشعور بالأمان بسبب تعرضه لتغيرات جذرية في حياته، وعلى سبيل المثال الانتقال لمسكن جديد بسبب ظروف خارجة عن الإرادة، وهو الأمر الذي يجعله عرضة للإصابة بالمرض.
ويتسبب الحديث المبالغ فيه، والزائد في وسائل الإعلام والمدرسة في تشكل حالة من الخوف المرضي من الجراثيم، والخوف من الإصابة بها بصورة مفرطة.
هلع من الأمراض
تختلف أعراض وسواس النظافة تبعاً للحالة، وتتمثل الأعراض الجسمانية في نوبات من الهلع، ربما تأتي على شكل رعشة وجفاف الفم.
ويعاني المصاب بالاضطراب التعرق الشديد والغثيان، وعدم انتظام ضربات القلب، ويظهر ذلك على المصاب في شكل الغسل المستمر والمتكرر لليدين وبصورة زائدة.
ويؤدي تكرار الغسل إلى موت بعض الخلايا التي تغذي الجلد، أو تقشير بعض طبقات الجلد، وكذلك كثرة الاستحمام وتغيير الملابس الدائم، ورفض استخدام الحمامات العامة.
ويشعر المصاب بهوس النظافة بهلع دائم من الأمراض والتلوث بالجراثيم والبكتيريا، ويتجنب بسبب ذلك كل الأنشطة العامة والأماكن التي يختلط فيها بالناس. ويرفض كذلك مشاركة أشيائه الشخصية مع الآخرين، ويمكن أن يزيد الأمر عن ذلك فيفرض على نفسه قيوداً، وذلك كأن يرفض لمس مقابض الأبواب مباشرة أو مصافحة أي شخص. ويكثر من استخدام الصابون ومطهرات اليد، ويستحيل عليه التقاط شيء منه سقط على الأرض، وربما أثر هوس النظافة على الأنشطة اليومية للمصاب، حيث يبالغ في تنظيف منزله بصورة تتجاوز الحاجة، ويبالغ كذلك في استخدام المياه الساخنة والمطهرات، وهو ما يؤدي لتلف المقتنيات المنزلية.
ممارسات مؤلمة
ينبه الأطباء إلى أن ممارسات هوس النظافة تؤلم المريض بهذا الاضطراب، وتفقده الكثير من الوقت والاهتمامات، إضافة إلى نفور المحيطين به منه، واستنكارهم لهذه التصرفات، وهو الأمر الذي ربما يصل إلى حد جعل المصاب موضع سخرية في الأسرة وبين الأصدقاء وزملاء العمل، ثم الأهم وهو ضيق الطرف الآخر، زوجاً أو زوجة من هذه التصرفات. ويشير الأخصائيون والباحثون إلى أن حالة مريض هوس النظافة ربما تفاقمت عندما يطلــب منه التـــوقف عن الممارسات غـــــير المنطقية والمبالغ فيها.
ويفسرون هذا الأمر بأن وسواس النظافة هو أصلاً أحد أعراض مشكلة أعمق، ولذلك فإجبار المريض على التوقف عن ممارسة ما اعتاده سيفاقم حالة القلق لديه.
التعرض والمعرفي
ويشمل علاج مريض وسواس النظافة العلاج بالتعرض، والعلاجات المعرفية، وذلك في الحالات الخفيفة، ويساعد العلاج بالتعرض المريض على إعادة تعلم كيفية مواجهة الجراثيم بشكل تدريجي، وذلك حتى يكون قادراً على أن يقاوم غسل اليدين باستمرار.
ويتعلم المريض كذلك التركيز على تقنيات التهدئة وتطوير القدرة على البقاء في بيئة ملوثة دون الشعور بالذعر.
وتساعد العلاجات المعرفية على تغيير المصاب لمواقفه وأفكاره تجاه الجراثيم، ويطلب من المريض أن يتخذ قرارات تجاه الأفكار التي يعتقد بصحتها، وأنها أكثر فائدة.
ويتم اعتماد العلاج المثالي في الحالات الأكثر شدة، حيث يتم الغوص في أعماق المشكلة وأسباب حدوثها، وإجراء الفحوص اللازمة للأعراض التي تظهر على المريض، حتى لو تبين أنها ليس لها علاقة بالمرض أساساً. ويعتبر العلاج ناجحاً عندما تقل مدة التنظيف التي كان يقوم بها المريض، وعلى سبيل المثال: أن يصل فعل التنظيف إلى مرتين أسبوعياً، بدلاً من التنظيف الدائم ولساعات طويلة.
ساعد نفسك
يمكن للمصاب بوسواس النظافة أن يساعد نفسه في التخلص من هذا الاضطراب عبر عدد من الإجراءات، وعلى سبيل المثال، فعليه أن يقتنع بأن التوقف عن النظافة الزائدة لن يضر الآخرين، أو يؤدي إلى موتهم، وعليه أن يتعامل مع المرض على أنه عدو لا يحب النجاح لصاحبه، وبالتالي فعليه التخلص منه، وإدراك أن الاستسلام له يعني أنه سيسيطر على حياته.
ويجب أن يمنح المريض الفرصة لنفسه حتى تعود لها الثقة، وتتخلص من كل أفكار وسواس النظافة، ويمتنع المصاب عن القيام بالأعمال التي يحقق بها النظافة الزائدة، حيث إن القلق الكثير لن يساعد في التخلص من الأفكار التي تراكمت حول النظافة، ويعمل كذلك على تغيير الأفكار التي يحملها حول مفهوم وسواس النظافة.
مسؤولية الأم
أكدت دراسة طبية حديثة، أن السعي وراء النظافة المبالغ فيها ربما أتي بنتائج عكسية، وبحسب القائمين على الدراسة، فالنظافة الزائدة يمكن أن تشكل تهديداً لوظائف الجهاز المناعي، وبالتالي تسبب له أنواعا عديدة من أمراض الحساسية للأطفال والبالغين.
وعزت الدراسة هذا الأمر إلى أن نظام المناعة يضعف، بسبب التخلص من الفيروسات والبكتيريا، وهو الأمر الذي يؤثر في عمل الدماغ، نتيجة إعاقة إنتاج المواد الكيميائية التي تولد السعادة مثل السيروتينين.
ويشير الباحثون إلى أن هذا الأمر يجعل الأطفال يعيشون في قلق وخوف من الاقتراب من أي شيء يمسونه، وتبث في قلوبهم الهلع من تناول أي طعام خارج البيت، وبالتالي فهم يرفضون دعوات الأصدقاء لهم بتناول الطعام في منزل أحدهم، والمؤلم أنهم يخفون سبب الرفض خوفا من التعرض للسخرية، وتكون الأم هي المسؤولة عن كل هذه الوساوس المرضية.
وأشارت دراسة أخرى إلى أنه ربما كان هناك ارتباط بين الإصابة بهوس النظافة وارتفاع معدلات الاكتئاب.
تعليقات
إرسال تعليق