قوة الاقتصاد التركي
أدى توسع الأسواق العالمية وتوافر الائتمانيات الرخيصة عقب أزمة 2001 المالية إلى زيادة كبيرة في تدفق رؤوس الأموال من الأسواق المالية إلى الدول النامية. خلال هذه الفترة، جعل توافر السيولة الواسع في الأسواق العالمية، مع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية في تركيا، البلاد وجهة جذابة لرؤوس الأموال.1 نتيجة لذلك، سجل الاقتصاد نموًّا بنسبة 6.2 بالمئة في 2002 متعافي من انكماش بلغ 5.7 بالمئة في 2001. بالمثل، شهدت البلاد نموًّا بلغت نسبته 5.3 بالمئة في 2003، و9.4 بالمئة في 2004، و8.4 بالمئة في 2005، و6.9 بالمئة في 2006. خلال هذه الفترة، لم يكن النمو الاقتصادي راجعًا فقط إلى زيادة حجم السلع والخدمات المصدرة، بل لانتعاش الطلب المحلي كذلك. في الوقت نفسه، أسهمت استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة في الإنتاج المحلي. بفضل هذه الأسباب كلها، فضلًا عن التدابير الوقائية المتنوعة وبرنامج التقشف الاقتصادي بعد الأزمة، اكتسب الاقتصاد التركي مرونة ضد الصدمات الخارجية وسجل إحدى أسرع فترات النمو منذ 1950 بين 2002 و2007. (انظر الشكل1). أثرت أزمة 2008 المالية العالمية في الاقتصاد التركي بشكل رئيس من حيث العلاقات التجارية بدرجة ما، وأدت في 2009 إلى ركود بلغ 4.8 بالمئة. نتيجة لفترة الركود، شرعت تركيا تسعى للوصول إلى أسواق جديدة على أمل إيجاد بدائل للاتحاد الأوروبي، وهو الكتلة التجارية التي تضم الغالبية العظمى من حجم التجارة الخارجية للبلاد. أسهم إنشاء صلات تجارية مع أسواق جديدة، بالإضافة إلى ازدياد حجم الطلب المحلي والصادرات في تعافي الاقتصادي التركي. ضمنت إعادة تركيا لهيكلة قطاعها الحقيقي وإحيائه إمكانية أن تساهم جميع قطاعاتها في النمو الاقتصادي، وأتاحت للاقتصاد أداء جيدًا للغاية في 2010 و2011. خلال هذه الفترة، سجل الاقتصاد التركي نموًّا سنويًّا بمعدل 8.5 بالمئة ليصبح ثاني أسرع اقتصاد نموًّا في العالم، بعد الصين التي بلغ نموّها 9.2 بالمئة في 2011. واصل اقتصاد تركيا وتيرة نموّه بفضل التزام الحكومة بالانضباط المالي والسياسة الاقتصادية المتّسقة، بينما تأثرت دول منطقة اليورو تأثرًا شديدًا جراء الأزمة المالية العالمية. رغم تحقيق الاقتصاد التركي نموًّا متواضعًا بلغ 2.2 بالمئة في 2012 وأخفق في تلبية التوقعات، إلا أن هذا الأداء عرض تنويعة أنشطة اقتصادية مختلفة في تركيا وأظهر حراكًا نسبيًّا لهياكل البلاد الاقتصادية. عقب أزمة 2001 المالية وفترةِ التراجع اللاحقة، سجل الاقتصاد التركي باستمرار نموًّا سنويًّا عاليًا حتى أزمة 2008 المالية العالمية. على مدى عقد ،2002–2011، شهد الاقتصاد نموًّا متوسطا بلغ 6.5 بالمئة – مما يعد أداءً قويًّا مقارنة بمتوسط نمو 4.7 بالمئة على مدى الثلاثين عامًا الماضية. وفقًا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ستحقق تركيا نموًّا سنويًّا بمتوسط 6.7 بالمئة بين 2011 و2017 لتصبح أسرع بلدان المنظمة نموًّا اقتصاديًّا.2 كان لأداء البلاد القوي في النمو الاقتصادي السنوي بين 2002 و2012 تأثير إيجابي أيضًا في مستويات الناتج المحلي الإجمالي للفرد خلال نفس الفترة. في 2012، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 10504 دولارات أمريكية مقابل 3492 دولارًا في 2002. في الوقت ذاته، عززت تركيا مكانتها بين البلدان النامية بمساعدة نموها الاقتصادي. لكن هذا التطور جعل ترويج إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية ضرورة مطلقة لهذا البلد، لضمان تراكم أكبر للمدخرات المحلية ولإتاحة نمو أكثر وتركيز جهودها على قطاع الأعمال التنافسية لتجنب الوقوع في شَرَك الدخل المتوسط، وهو مشكلة شائعة لدى الاقتصادات النامية. بحسب تصنيف البنك الدولي للدول، الذي يُعرِّف البلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد دون 1105 دولارات بأنها «منخفضة الدخل»، والبلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد بين 3976 و12275 دولارًا بأنها «متوسطة الدخل»، والبلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي للفرد فوق 12276 دولارًا بأنها «مرتفعة الدخل»؛ تهدف خطة تركيا متوسطة الأجل لفترة 2013-2015 إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى 12859 دولارًا بحلول 2015، لتصبح دولة ذات دخل مرتفع حسب معايير البنك الدولي. إضافة إلى التحسينات السالفة في النمو الاقتصادي، اتخذت حكومة حزب العدالة والتنمية أيضًا تدابير معينة طويلة الأجل لمعالجة ارتفاع التضخم، وهو عنصر تقليدي في الاقتصاد التركي. خلال التسعينيات، تسبّب نقص خطير في الاستقرار الاقتصادي ارتفاعًا مفاجئًا بمعدلات الفائدة قصيرة الأجل حيث ضعفت الليرة التركية وفاقم الإنفاق العام المفرط خلال مواسم الانتخابات ارتفاع التضخم. خلال هذه الفترة، تقلصت المدخرات المحلية، وزاد الطلب المحلي، مما أدى بالحكومة لتوفير الأموال بواسطة الديون الخارجية. كذلك، حدّثت الحكومة الأسعار والمرتبات على أساس مستويات تضخم السنوات السابقة، وبذلك أخفقت في معالجة عقبة هيكلية بوجه الحاجة الملحة لخفض معدلات التضخم. بالمثل، تسبّب الضعف السريع لليرة التركية خلال مسار أزمة 1994 الاقتصادية في زيادة التكاليف، بينما أجلت الحكومة ترتيبات التسعير للقطاع العام لتشهد على الفور معدلات تضخم من رقمين.3 أدى ارتفاع معدلات التضخم إلى ضعف الليرة التركية على مرّ السنين، ودفع الحكومات المتعاقبة لتلبية الاحتياجات النقدية عن طريق طباعة أوراق النقد عالية القيمة.4 قبل مضي وقت طويل، حولت هذه السياسية كل مواطن– للمفارقة- إلى مليونير. كانت برامج الإصلاح الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية وتداعياتها رائدة لجهود تحول هياكل الاقتصاد الكلي التي سببت تضخمًا عاليًا في البلاد عقدين من الزمن. حدد نظام استهداف التضخم الذي اعتمدته الحكومة التركية عقب أزمة 2001 المالية مستويات التضخم المنشودة وأعلنها. تحت هذا النظام، كانت أداة السياسة النقدية الأساسية المتاحة للبنك المركزي هي أسعار الفائدة قصيرة الأجل. مثلت توقعات البنك المركزي، بشأن التضخم والمؤشرات الاقتصادية الأخرى، إنذارًا مبكرًا ضد الضغوط التضخمية التي قد تنشأ مستقبلًا، وكانت بمثابة مبدأ توجيهي لمسؤولي البنك المركزي خلال عمليات صنع القرار بشأن أسعار الفائدة. أدت أزمة 2001 المالية لانصراف تركيا عن «السياسة النقدية القائمة على أساس أسعار الصرف المستهدفة» واعتماد سياسة «استهداف التضخم» بديلًا عنها. سمح هذا النهج للاقتصاد التركي بتسجيل معدل تضخم أحادي الرقم (9.4 بالمئة) في 2004، عقب معدل تضخم رهيب بلغ 54.4 بالمئة في 2001. دفع الانتعاش السريع للاقتصاد، مقترنًا بالإرادة السياسية والدعم الشعبي والاستقرار الاقتصادي، حكومة حزب العدالة والتنمية في 2005 إلى إصدار قرار بإسقاط ستة أصفار من الليرة التركية.
المصدر كتاب حقائق العالم
تعليقات
إرسال تعليق